بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة المحترمون القائمون على مبادرة زمزم،،،
الإخوة الحضور المحترمون،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
إن السؤال عن التحديات الراهنة وتجلياتها ومآلاتها، في المنطقة والإقليم، ومن ثم الإجابة عن سؤال الرؤية المستقبلية للأردن، أمر، حسب ظني ويقيني، غاية في الصعوبة، بالنظر إلى تشابكات وتعقيدات تحيط أزماته المتعددة والمركبة في آن، وتتداخل في حيثياتها مفاعيل سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية..
ويلعب العامل الدولي، وأقصد الدول الكبرى المحكومة بسلة من المصالح، بشكل جوهري في أزمات المنطقة، أكان بافتعالها لهذه الأزمات أو توظيفها.. وتتدخل في شؤون الإقليم من زاوية نظر ونطاق مصالح قد يختلف، في كليته أو في جزء منه، مع نطاق مصالح دول المنطقة، لذلك يحدث أحيانا التصادم السياسي بين الفاعلين والمؤثرين في الأحداث والتطورات..
وواحدة من أسباب المأزق الذي تعيشه المنطقة أنها لم تطور نظاما إقليميا قويا وقادرا على ضبط تفاعلاته وانفعالاته، لذلك استمرت المنطقة وشؤونها رهنا بالفاعل الدولي، الذي يكاد ان يكون المحتكر لرسم العلاقات والتوازنات بين الدول، ويحدد مساراتها ومساحة نفوذها وتأثيرها، ومقدار قوتها وحدود استخدامها.
تأسيسا على التكثيف أعلاه، لابد حتى نقرأ مستقبل الأردن، أن نقرأ واقع الإقليم وطبيعة ما يجري فيه من أحداث، وتأثيراتها على الأردن.. والواقعية السياسية تقول أن مستقبل المنطقة والإقليم غامض، ولا يمكن لمراقب أو محلل ولا حتى مشتغل في الشأن السياسي وصناعة قراره أن يرسم مسارا محددا وواضحا للأحداث، وطالما يصعب فهم الأحداث ومساراتها، فحتما يصعب أو يستحيل أن تقدر النتائج على النحو الدقيق والصحيح.. أريد أن أقول أن الغموض يحيط بكل شيء، ويحتاج إلى تتبع حذر ويقظ.
إذ نلاحظ أن ستة قوى أساسية وفاعلة ومتصارعة تؤثر تأثيرا بالغا في ملفات الإقليم، الساخنة منها والباردة، تلك القوة هي: أميركا وخلفها أوروبا، وروسيا التي تنسق أغلب مواقفها مع الصين، وإيران التي تدير علاقات غامضة مع واشنطن، وتركيا المرتبكة والقلقة على وحدتها ونفوذها، وإسرائيل الفاعل الخفي تارة والعلني تارة أخرى، والتنظيمات المتطرفة، وبالخصوص “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)” ومن بعده تنظيم القاعدة.
هذه القوى الفاعلة، ليس من بينها دولة عربية، فهي لا تتوافر على كل العناصر التي تمكنها من أن تكون لاعبا رئيسيا ومؤثرا وقادرا على تغيير المسارات بما يخدم مصالحها، فتأثيراتها هامشية في أغلب الأحيان، رغم أن الأحداث تقع في نطاقها الجغرافي وتكلفتها المادية والمعنوية عليها عالية، لكن هامشية دورها انها مختلفة فيما بينها وليس لديها استراتيجية واحدة ولا أهداف واحدة، وتتنازعها المصالح المتناقضة بل والمتصادمة أحيانا، وتعاني من الثقة البينية المفقودة، ويربط بينها إطار الجامعة العربية التي أكد أصفه بالمعطوب وفاقد الأثر والتأثير.
نحن لا نفهم إلى أين المآل السوري، بعد أن دخل الفاعل الداعشي على الخط مغيرا الكثير من المعادلات، وتلاعب بالمسارات، في وقت يراكم المشهد السوري المزيد من الدم والتشريد، ويراكم المزيد من الأخطار الأمنية على المنطقة، واليوم أميركا تتصارع مع روسيا وإيران، وحتى باتت تصارع تركيا التي يفترض انها حليفتها في مواجهة النظام، ولا ندري إلى أين ستصل التطورات حال تم تنفيذ قضية المناطق العازلة وحظر الطيران.
وفي العراق أيضا، لا ندري على وجه الدقة كيف ستوازن الاستراتيجية الأميركية، التي أراها استراتيجية ملتبسة وغامضة، بين مطالب المكون السني ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق.
وفي اليمن، لا ندري إلى أي مدى توسع النفوذ الإيراني، وهي إيران التي باتت تسيطر على مضيقين من أهم المضائق في العالم مضيق باب المندب المنفذ على العقبة والمتحكم بقناة السويس، ومضيق هرمز، والمضيقان تمر عبرهما كميات هائلة من تجارة العالم النفطية والسلعية والخدمية.. وفي اليمن لا ندري أيضا إن بقي شماله موحدا مع جنوبه أم أن الجنوب على حافة إعادة تشكيل دولته.
في مصر، الفوضى تتسع، والمستقبل غامض، ومصر الشقيقة الكبرى منشغلة بذاتها عمن سواها، وهي التي كانت لاعبا أساسيا في قضايا الإقليم.. وفي البحرين لا ندري عن المآلات فيها، وحتى انتخاباتها البرلمانية الأخيرة لا اعتقد أنها ستكون مخرجا للمأزق الذي لإيران أصبع كبير فيه، ومأزق البحرين مأزق خليجي يفتح الباب على مجاهيل تواجه دول الخليج كلها.
وليبيا، ليست بحال إفضل، فالتصادم الدموي يتسع ويحصد الأرواح ومستقبل الدولة.. وفي لبنان وتونس والسودان، في غير بلد عربي لا مستقبل بمعالم واضحة مريحة، وإن كانت تونس صاحبة الفرصة في الإفلات من عذابات الفوضى.
تلك ظروف المنطقة، وتلك أخطارها، وهي ظروف تعظم التحديات والتداعيات، وأخطارا متنوعة ومتعددة، تعظّم مرض المريض وتضع المتعافي في دائرة الإصابة المحتملة بالمرض..
والمقلق، لنا في الأردن، وربما الأكثر قلقا هي دول الخليج، أن تكون الطريق إلى تسوية قضايا المنطقة وملفاتها الملتهبة، تفاهمات إيرانية- أميركية.. فواشنطن باتت تدرك أن أغلب مفاتيح الاستقرار والفوضى في المنطقة والإقليم في الجيب الإيراني الذي يملك نفوذا حقيقيا، وليس متخيلا، في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وله أدوات فاعلة في الخليج، خصوصا السعودية والبحرين..
وربما تسوية الملف النووي الإيراني، المدخل الحيوي للتسويات الإقليمية بين أميركا وإيران، واعتقد أن حرب أسعار النفط تستهدف طهران وموسكو كوسيلة ضغط على اقتصاديات هذين البلدين لإجبارهما على القبول بتسويات معقولة للقضايا الخلافية والصراعية.
في سياق هذا، لا بد لنا أن نلحظ أبعاد الأزمة في العلاقة الأميركية- الروسية الممتدة من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية، فأوكرانيا إن لم تكن سببا في حرب عالمية ثالثة، ستكون حتما سببا في حرب باردة جديدة، سيكون لها مفاعيلها في منطقتنا وإقليمنا.. فما يجري في القرية الكونية وبأي مكان، يترك أثره على نطاقات دولية واسعة، نحن، إن لم نكن في صلبها، لابد اننا في هوامشها القريبة.
على هذا الأساس، اعتقد أن الأردن محاط بأخطار عديدة ارى من أبرزها:
- تنامي التطرف الذي بات يمثله بامتياز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتغذيه الصراعات الإقليمية والدولية، وعدم اتفاقها على استراتيجية مواجهة منسقة وموحدة وقادرة على إحداث الفرق الذي نريد.
- احتمال أن تؤدي الفوضى، أو توظف، في إعادة تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، فبعدما قسمت المنطقة على أساس جغرافي، نرى ملامح لرغبة غربية، أسس لها منذ سنوات، تريد إعادة التقسيم، باقتطاع أجزاء من دول لإلحاقها بدول أخرى، أو التقسيم داخل الدولة الوطنية الواحدة على شكل فدراليات.
- اشتعال أو توسع الاشتعالات قائمة في دول المنطقة الكبرى، وذات الأثر، ولابد أن يخشى الأردن من توسع هذه الفوضى إلى دول الخليج، التي قد تؤدي، لا قدّر الله، إلى تفكك بعضها، لأسباب ذاتية وموضوعية.
- الخطر المهم، وربما الأهم، السياسات الإسرائيلية العدوانية، التي تستثمر فوضى الإقليم لإنفاذ مخططاتها، في القدس بتقسيم المقدسات زمانيا ومكانيا، وصولا إلى بناء الهيكل الثالث المزعوم، وكذلك سن قانون يهودية الدولة الذي له خطر مباشر على كثير من ملفات القضية الفلسطينية وخصوصا قضية اللاجئين، وكذلك السياسات الاستيطانية والتهويدية، وكلها لا تعني إلاّ أمرا واحدا أن فرص إقامة الدولة الفلسطينية مسألة مشكوك فيها.
- إنهيار اقتصاديات بعض الدول الشقيقة والصديقة التي يعتمد عليها الأردن في المنح والمساعدات، فمثل هذا الانهيار له تأثيراته المباشرة على الاقتصاد الاردني، وأي إضافات على الأزمة الاقتصادية الوطنية مسألة خطرة ولها تداعياتها السلبية.
- فشل المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الدول (5+1)، وهو احتمال ضعيف، لكن إمكانية حدوثه واردة، وإذا ما وقع فربما تشهد المنطقة مواجهة إما بين إسرائيل وإيران، أو بين أميركا وإيران، أو يتفق البلدان أميركا وإسرائيل على مواجهة إيران معا، ولابد أن نفهم مسبقا الطريقة التي قد تدير بها واشنطن ملفات المنطقة وخصوصا الملف الإيراني حال تولى الجمهوريين الحكم.
هذه ليست كل الأخطار، لكنها أبرزها، ولابد أن الأردن يتحسب لها ويأخذ تداعياتها وأكلافها بعين الاعتبار، ولابد أن الأردن أيضا يدرك حجم الأثر الذي تتركه على واقعه، آخذا بالحسبان أزماته السياسية والاقتصادية الداخلية وأثرها السلبي على البنى الاجتماعية، مع ما يتطلبه ذلك من معالجة جدية وعميقة لقضايا الفساد، والعدالة والحريات وتكافؤ الفرص، والمشاركة في صنع القرار، أي تعميق عملية الإصلاح الشامل، وتوسيع هامش الحرية بما يتطلبه ذلك من مراجعة قانوني الانتخاب والأحزاب.
وأخشى أن الغموض الذي يحيط ملفات المنطقة ومساراتها ومآلاتها، ينعكس أيضا على شكل التباسات تصيب المقاربة الأردنية التي يفترض أن تصمم على جملة من الفرضيات والاحتمالات كي لا نفاجأ بتحولات وتطورات ليست في حسابنا.
بمعنى، أو بلغة أدق، انا قلق على مستقبل الأردن من هذه الأخطار، المركبة والمعقدة، ولا أظن أن لدينا سبلا كثيرة للافلات من التحديات، لكن لدينا فرصة للتخفيف من آثارها من خلال بناء جبهة داخلية قوية قادرة على الصمود والمجابهة، وهذه تحتاج إلى تسويات وتفاهمات داخلية بين كل المكونات الوطنية، الرسمية والأهلية.
ونحتاج إلى مقاربات سياسية وأمنية واقتصادية متماسكة ومرنة في آن معا، ونحتاج إلى أن نوازن السياسات والعلاقات الخارجية بتنويع منسق وهادىء للخيارات والتحالفات من غير أن نستفز أي طرف، وأن تحسب الدولة خطواتها بدقة وعمق وألا تتورط في سياسات من شأنها جلب المزيد من المخاطر، وألا تسمح بانشغال العالم بالدولة الإسلامية عن مخططات الدولة اليهودية..
إن أخذ المخاطر ومآلاتها بالاعتبار هو ضرورة وطنية، تدعمها مقومات أساسية هي وعي الأردنيين بها وبأكلافها، وحكمة القيادة في مجابهتها والتصدي لها، وامتلاكنا جيشا مهنيا مشهود له وأجهزة أمنية يقضة، وإذا ما أجرينا التقييمات الضرورية للواقع واندفعنا في رص الصف الوطني، وتنقيته من عوامل التأزيم، وصممنا مقاربات متوازنة وناجعة، سنكون بمنأى من التأثيرات الكبيرة المهلكة..
أعلم إني لم أعط بالتصريح الكامل ولا بالتلميح الكامل، إجابات لكل الأسئلة المطروحة على الطاولة أو تلك التي تجول في الأذهان، فالغموض علامة فارقة ومميزة لشؤون المنطقة والإقليم، والأردن ليس بمعزل، فهو في صلب المنطقة، والجغرافيا السياسية رفعت عليه الكلفة.. كلفة السياسات وكلفة الخيارات..
هذا باختصار شديد، ما أردت قوله بهذه العجالة، مركزا على العامل الخارجي ليقني أن اطلاعكم قوي وعميق على الظروف الداخلية ومصاعبها.. واختصرت القول لأني متشوق لمحاورتكم وتبادل الآراء ووجهات النظر معكم..
أشكر الإخوة المنظمين على حسن التنظيم وحسن الاستقبال، واشكر الإخوة الحضور حسن استماعهم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته