خاص / القى دولة الدكتور معروف البخيت نائب رئيس مجلس الاعيان ورئيس الوزراء الاسبق كلمة في حفل افتتاح المؤتمر العام الثالث لحزب التيار الوطني الذي انعقد في قاعة عمان الكبرى للاحتفالات يوم السبت الخامس من شهر ايار تحت شعار (مستمرون) وتاليا نص كلمة البخيت :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (صدق الله العظيم)
أصحابَ الدولة والمعالي والسعادة،
السيداتُ والسادة،
الجمعُ الكريم،
السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته، وبعد؛
فيُسرُني أن أشاركَ اليومَ، هذه النخبةَ الكريمةَ، حفلَ افتتاحِ المؤتمرِ العامِ الثالث لحزب التيارِ الوطني، وبحضورِ هذا الجمعِ المميز من خلفياتٍ ثقاقية وسياسية متنوعةٍ، تعبرُ عن تماسكِ وانسجامِ المشهدِ الوطني عموماً، وعن تآلفِ هذا المجتمعِ ووحدتِه.
وغنيٌ عن التفصيلِ، إن هذا اللقاءَ، بحدِ ذاتِه، يعطي الصورةَ التي نحبُ ونريدُ، عن الأردنِ ومسيرتِه المباركةِ، في ظل ما تشهدُه أمتُنا ومنطقتُنا العربيةُ من حالة تشظٍ وتشتيتٍ، مضت عليها سنواتٌ مرهقةٌ مؤلمةٌ، كانَ وقودَها الناسُ والحجارةُ، ودفعَ ثمَنَها أشقاؤنا، في أكثرِ من بلدٍ عربي؛ دماراً ودماءً وضياعاً.
وقد استطاعَ الأردنيون أن يتجاوزوا المرحلةَ الأصعبَ، معتصمينَ بحبلِ الله، واثقين بشجاعةِ قيادتهم الهاشمية الشريفةِ وكفاءةِ مؤسساتِهم الوطنيةِ ووحدةِ صفهم.
وقد تحملوا الأعباءَ الكبيرة، وصبروا وصمدوا، وهم يواجهون واقعاً اقتصادياً صعباً، أثقلته تبعاتُ الأزماتِ المجاورة وتَخَلي الآخرينَ عن مسؤولياتِهم تجاه كُلف اللجوء والأمن والمجابهةِ الشجاعةِ مع تياراتِ الظلامِ والتكفير، الذي تكبدها، رغمَ ضيقِ اليد، هذا البلدُ منفرداً..
وقد تمكن الأردنيون من صون وطنهم ومكتسباتهم. وقامت قواتُنا المسلحةُ بواجبها في الدفاعِ عن الوطن، وحمايةِ الأشقاءِ وأمنِ بلدانهم، عندما استطاعت أن تحولَ دونَ تمددِ عصاباتِ الإرهاب، في ذروة صعودها وانتشارها، ووضعت لها حدّاً فاصلاً، هو حدودُ الأردنِ.. حداً ثبَّتَتهُ عزائمُ الرجال وسواعدُ الأبطالِ وعيونٌ التي لا تمسَها النارُ، ذلك أنها باتت تحرسُ الأوطانَ، وفي سبيل الله.
الحضور الكريم،
يعبّر انعقادُ المؤتمرِ الثالثِ لحزبِ التيارِ الوطني، عن إرادةِ الاستمرارِ ومواصلةِ العملِ الحزبي، بعد طروحاتٍ استمعنا لها، ونُدركُ حيثياتِها وأسبابَها، حولَ جدوى ومستقبلِ العملِ الحزبي في الأردن، في ضوءِ التحدياتِ الكثيرةِ التي تواجهه.
وهذه النقاشاتُ لا تخصُ التيارَ الوطنيَ وحدَه. ويعتقدُ كثيرون أنها تشملُ الواقعَ الحزبيَ كلَه في الأردن، مع فروقات واختلافاتٍ طفيفة.
واسمحوا لي أن أقولَ هنا: إن مستقبلَ التنمية السياسية في الأردن مرهونٌ بمستقبل العمل الحزبي. وإن مستقبلَ الإصلاح الشامل ووصولَه إلى غاياتِه التي ترسمُ ملامحَ أردنِ الغد، كما عبّر عنها جلالةُ الملك عبدالله الثاني حفظه الله وتوافق عليها الأردنيون في أكثر من محطةٍ مهمة؛ هو مرتبطٌ، عضوياً، بالعملِ الحزبي وتطويره وتمكينِه من القيام بأدواره المتعددة، وصولاً إلى برلمانات برامجية حزبية، تنتجُ عنها حكوماتٌ تتولى المسؤولية وتخضعُ للمساءلة والمحاسبة، وأخرى في الظل، تتابعُ وتراقبُ وتطورُ برامجَها، وتستعد لتحمل المسؤولية، وفق الأسس الدستورية وقواعد الممارسةِ الديموقراطية.
وهذه الصورةُ ليست حلماً بعيدَ المنال. وتجربةُ الحكوماتِ البرلمانية أصيلةٌ في التاريخ السياسي الأردني، وتعودُ للبداياتِ الأولى.
كما أن العملَ الحزبيَ في الأردن عملٌ عريق، رافقَ تأسيسَ الإمارة، وقدمَ الأفكارَ والخبراتِ وعززَ الدولةَ ومؤسساتِها المختلفةَ بالقياداتِ والكفاءاتِ ورجالاتِ الإدارةِ والسياسة والقانون والإعلام والاقتصاد..
وهو ليس عملاً طارئاً على ثقافةِ الأردنيين، بل هو في صميم الحياة السياسية الأردنية، منذ بداياتها المبكرة.
وقد كانت أحزابُ المعارضةِ الوطنية مع أحزاب الوسط وغيرها، جنباً إلى جنب في معتركات الدفاع عن الأردن وفي خدمة القضايا العربية العادلة، وفي مقدمتُها، دائماً: القضيةُ الفلسطينية.
وحظيت منظوماتُنا الحزبيةُ على مرّ تاريخ الأردن المعاصر، بدعم القيادة الهاشمية، منذ عهد الملك المؤسس عبد الله ابن الحسين طيب الله ثراه، الذي قاد النضالَ السياسيَ الأردني ودَعمَ المعارضةَ الحزبيةَ لاستثناء الأردن من وعد بلفور وتحقيق الاستقلال.
وفي عهد المغفور له الحسين الباني وصلت التجربةُ الحزبيةُ السياسيةُ ذروتَها بتأليف أول وزارة برلمانية حزبية.
ومنذ مطلع عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله ورعاه، حظيت تنميةُ الحياة السياسية الأردنية بدعمٍ كبيرٍ وتحفيزٍ مباشر من جلالة القائد، وتحققت خطواتٌ إصلاحيةٌ ملموسة تشريعيةٌ وتنظيميةٌ عديدةٌ وعلى أكثر من صعيد.
حتى جاءت الدفعةُ المعنويةُ السياسيةُ الأكبر، في الأوراق النقاشية الملكية، والتي دعا فيها جلالةُ الملك لحياة حزبيةٍ يندمج فيها الأردنيون، تحت سقف العدالة وسيادة القانون، وينتظمون في اتجاهات سياسية وفكرية وبرامجية قادرة على التنافس الديموقراطي النزيه، عبر صناديق الاقتراع، وصولاً لمرحلة تداول تشكيل الحكومات برلمانياً وحزبياً.
ما أريد أن أؤكد عليه هنا، هو أن الإرادةَ السياسيةَ العليا داعمةٌ، بل وضاغطةٌ، باتجاه تنميةِ الحياة الحزبية، كما أن شبابَ الأردنيين تواقون للعمل العام الديموقراطي. وكذلك، فإنَ مستقبلَ التنميةِ السياسية وضرورات تطوير الحياة البرلمانية؛ رهنٌ بفاعلية ونشاط الأحزاب السياسية الأردنية، ومدى قدرتها على توحيد طاقاتِها وتجديدِ خطابِها وطرحِ الأفكارِ القادرةِ على استقطاب الأردنيين، وإعادةِ إدماجِهم في منظوماتٍ سياسيةٍ وفكرية وثقافية، تجمعُ الناسَ وتوفرُ المنابرَ المناسبةَ للحوارِ الوطني الشامل، وبيئةً أمثل لتفاعل الشباب الأردني وقطاعِ المرأة في كافة مجالات العمل العام.
الحضور الكريم،
أدركُ أن هناك تحدياتٍ جديةً تعيقُ تطورَ العملِ الحزبي وتحولُ دونَ توسيعِ إطاره.. وهناكَ ظروفٌ موضوعيةٌ وعواملُ خارجية وذاتيةٌ تحدُّ من قدرة الأحزاب على أخذِ مكانتها الطبيعيةِ والمطلوبةِ في قيادةِ الحياةِ السياسية الأردنية.
ولكني واثقٌ أيضاً بأن الفرصَ كثيرة وماثلةٌ. وأن الحاجةَ لدور الأحزابِ السياسيةِ هي حاجةٌ ملحةٌ وليست ترفاً فكرياً، وأن مستقبلَ الأردنِ الذي نريدُه لأجيالنا القادمةِ إنما يتطلبُ تفعيلَ العملِ الحزبي وتمكينَه من القيام بواجباته. وبحكم معرفتي بقيادة هذا الحزب وبالعديد من الأخوة قيادات العمل الحزبي، فإن العزيمةَ والإصرارَ والتفاني سماتٌ أصيلةٌ فيكم، وتدفعكم للمضي في هذا الدرب، ومواصلةِ العمل وامتلاك شجاعةِ المراجعة والتقييم، وتطوير الأدوات والخطاب، وصولاً إلى ازدهار الحياة الحزبية في الأردن عموماً، إن شاء الله.
وكلُ مَن يعرفُ معالي الأخ عبدالهادي المجالي، يشهد له بالمثابرةِ والإرادةِ والحرصِ على استمراريةِ العملِ ومؤسسيتِه، والابتعادِ عن الشخصنةِ والفرديةِ. وأنا واثقٌ من حرصِهِ وإخوانه، على رعايةِ هذه البذرةِ وتوفيرِ الأفضلِ لها لتنمو وتزدهرَ..
وأعلمُ أن هذه الخبرةَ الغنيةَ المتنوعةَ في كل مؤسسات العطاءِ والإيثارِ وفي المواقع القيادية، تعني أن صاحبَها لا يعرفُ اليأسَ ولا يتراجعُ عن عملِ الواجبِ مهما كانت الصوبات.
كل الشكر للإخوة في حزب التيار الوطني، وللحضور الكريم، وأتمنى لهذا المؤتمر كلَ النجاح. وأسألُ الله تعالى أن يحفظ الأردنَ، وطناً نموذجاً وحصناً عربياً حصيناً، في ظل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته