المقدمة
لقد نص الدستور الاردني بوضوح على حق الاردنيين في تشكيل احزاب وطنية تساهم في الدفاع عن قضايا الوطن والامة ومصالح الاردنيين, وتشارك في الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد, لتسهم في ترسيخ قيم العمل الجماعي المنظم, مهمتها الارتقاء بمشاركة المواطنين في العملية السياسية, والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وتحسين ظروف حياتهم, وتسريع الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي باعتباره الركن الاساسي في مشروع النهوض الوطني مع الالتزام بثوابت الدولة والوطن والولاء للنظام الملكي الهاشمي, في اطار وطني, دستوري, ديمقراطي, يحترم التعدد السياسي والاجتماعي والاختلاف المشروع في الرأي والاجتهاد وتداول السلطة التنفيذية وتبني الحوار كوسيلة لايجاد حلول للاختلافات في الرأي حول القضايا الوطنية.
لقد مرت الحياة الحزبية في الاردن بمراحل عدة وتعثرت غير مرة, وليس لنا الا ان نستخلص العبر من تجاربنا واخطاء المراحل السابقة والظروف التي اعاقت العمل الحزبي في الماضي, لانجاح المسيرة الحزبية, ووضعها في مكانها السليم في حياتنا السياسية, باعتبارها حراك سياسي شعبي دستوري تعددي مشروع يوظف لخدمة العمل الوطني.
فمنطلقنا الحزبي من التيار الوطني ينبع من رؤية وطنية دستورية, واصلاحية واضحة تهدف الى تنظيم العمل الشعبي في اطر مؤسسية وتنظيم فعاليات المجتمع وتأكيد قيم الجماعة واغناء التعددية الديمقراطية بالحوار الوطني, من خلال ترسيخ قيم وقواسم وثوابت وطنية مشتركة, تخدم للاصلاح الوطني الشامل وتحقق التوافق والتوازن الاجتماعي في البلاد.
ونجد في دستورنا الاردني المتطور وفي الدروس المستفادة من التجارب الحزبية السابقة, وتطور تجربتنا البرلمانية الديمقراطية, وفي الميثاق الوطني, والوعي الشعبي, وفي الارادة السياسية لقيادتنا الهاشمية الداعمة لتطوير العمل الحزبي في البلاد, مرجعيات مهمة في اغناء المسيرة الحزبية في المستقبل, وتوفير افضل الظروف لانجاح مهمتها وتأصيل دورها في المجتمع الاردني.
فالحزب اداة من اهم ادوات العمل السياسي والتعبئة الوطنية مهمته انضاج رؤية وطنية لحياة افضل للمواطن والمجتمع, تبدأ من المشاركة الفردية والطوعية للمواطن, ومن تأكيد اهمية تنظيم المجتمع المدني وتأكيد دور الراي العام المنظم والمشاركة الشعبية الواعية في العملية السياسية وبما يحقق امال وتطلعات المواطنين القضايا التي تؤثر في حياتهم مع الادراك بأن الاحوال المعيشية والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الضاغطة على حياة المواطنين, تمثل بعداً مهماً في صنع الرأي العام وتوجيهه في البلاد.
فالحزب رافعة مهمة من روافع العمل السياسي المنظم ودوره ان ينقل الحوار الاجتماعي والسياسي غير المنظم من الشارع, الى ساحة التنظيمات الحزبية المكلفة بتعبئة طاقات الشعب بشكل ايجابي لمتابعة تطلعات المواطنين والهموم الوطنية في الحوارات الحزبية ونقل ورسم تصور لكيفية حلها, ونقل هذه الحوارات في مرحلة لاحقة الى البرلمان ملتقى ممثلي الشعب حيث يتخذ القرار الوطني.
والتيار الوطني الذي نتطلع اليه ليس اطارا فكرياً, ايديولوجياً جامداً, بل تياراً سياسياً منفتحاً على ما يستمد من افكار صالحة او تحديث نافع للمجتمع, وهو رواق سياسي, فضائه مشرع على المصلحة العامة والحقيقة والمعرفة والاجتهاد الانساني الخلاق الذي ينفع الناس وعلى المصلحة الوطنية التي قد يلتقي الحزب الوطني فيها في الراي مع قوى سياسية وطنية اخرى لها رؤى واجتهادات مختلفة قد تفضي بالحوار الى مساحات مشتركة من الاجتهاد والتعاون السياسي الذي يخدم المصالح العليا للبلاد.
فالتعدد الحزبي قد يعني الاختلاف المشروع بالرؤى والاجتهادات ولكنه لا يعني بالضرورة الخلاف والتناحر بين الاحزاب, ولا استئثار حزب دون غيره بالسلطة, او عزل اوطيف سياسي عن اداء دوره في اطار التعددية المشروع في البلاد, ولا التعصب الذي يعزل الحزب عن الاخرين.
فالحزب كما نراه عملية مشروعة لتنظيم المشاركة الفردية الطوعية في اطار حزبي يعزز قيم العمل الجماعي, ويوظف الذات الفردية في خدمة الذات الجماعية, دون الانتقاص من اهمية دور الفرد في العمل الجماعي, مع التأكيد على الدور المركزي لمعاني ومسؤوليات المواطن الكريمة في الحياة العامة والممارسة السياسية باعتبار المواطنة المحصنة بالدستور والقانون, وما يترتب عليها من حقوق ومسؤوليات وواجبات التطبيق الاجتماعي والسياسي لمعنى الهوية الوطنية وخصوصيتها واساس بناء الروح الوطني الجامعة في مناخ من الديمقراطية والحرية والمشاركة في دولة القانون.
فالمواطن والمواطنة المحصّنة بالقانون يمثلان الخلية الاساسية في القوة الدافعة في الوطن حيث يتشارك في المواطنة والعمل الوطني الجميع على قدم المساواة وفق قدراتهم على العطاء والاجتهاد, وحيث يترجم الولاء الوطني بالعمل والبذل والعطاء.
ولا بد من تأكيد القاعدة الاهم التي يقوم عليها التعدد الديمقراطي وسلامة الوطن والمجتمع, وأمنه واستقراره, وهي الوحدة الوطنية الجامعة البعيدة عن التعصب والتطرف والعنف والمعززة بثقافة الحوار والاعتدال الاجتماعي والديني والوعي الوطني.
وكما أن السلطه السياسية التي يعمل الحزب في إطارها مستمدة من الدستور فإن المشاركة والتمثيل الشعبي مستمدة من إرادة المجتمع والشعب, صاحب الحق في انتخاب ممثليه في مؤسسات الدولة والمجتمع .
فالوحدة الوطنية تمثل الإطار الحافظ للخصوصية الوطنية بكل معانيها, وهي حالة جامعة وغير طاردة , تقوم بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن أصولهم البعيدة أو القريبة, أو تباين أرائهم السياسية أو معتقداتهم أو اجتهاداتهم, وعلى أساس تساويهم في دولة القانون على قاعدة احترام الدستور, ونظام الدوله واحترام المواطنة وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات, فهي الحالة الوطنية التي تجمع أبناء الوطن الواحد, تحت القيادة الهاشمية وتحت مظلة وطنية دستورية واحدة مهما تباينت أوضاعهم .
والتيار الوطني يضم قوى اجتماعية محافطة وتقليدية وليبرالية ونخب سياسية متنورة, وقوى اجتماعية ودينية معتدلة, وقوة عاملة وفعاليات متنوعة حريصة على الارتقاء بالدولة الأردنية والنهوض بالمجتمع الأردني, وهو تيار يمثل تشكيلة متنوعة من المصالح والرؤى الاجتماعية, التي تسعى لمشروع وطني هدفه الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي, والنهوض الشامل في الوطن, والالتفاف حول قيادة ونظام البلاد, وهي قوى اجتماعية تتشارك في رؤى سياسية واجتماعية متقاربة, تلتقي في برنامج سياسي واجتماعي مرن, قابل للتطبيق وقابل للتكيف مع المستجدات المتسارعة في الحياة السياسية والمتغيرات في ظروف الإقليم العربي والمتغيرات الأخرى الدولية المؤثرة في عالم اليوم .
فمشروعنا السياسي المباشر قائم على تحصين وإصلاح الدولة الأردنية بجميع مرافقها وضمان تقدمها على أسس ديمقراطية مؤسسية وتعزيز دور الأردن واستمرارة, والتأكيد على معاني النهضة العربية الشاملة, وأهداف الثورة العربية الكبرى, في الوحدة والاستقلال والحرية والعدالة وتحقيق الحياة الحرة والمنعة لأمة العرب .
والإيمان بأن توفير أسباب المنعة, والتقدم لدولتنا الأردنية ومجتمعنا يعزز من قدرة الأردن على خدمة قضايا وأهداف امتنا, جنبا إلى جنب مع أشقائنا العرب.
ومع الإقرار بأن التجربة الحزبية في الأردن يحددها القانون في إطار تجربتنا الوطنية, إلا أننا من حيث الانتماء والمرجعيات الفكرية, جزء أصيل من امة عربية عريقة, ومجتمعنا الأردني شريحة من الأمة العربية تتجمع فيه صفات المجتمع العربي, ومرجعياتة الروحية, وأبعاده الفكرية والثقافية وتنعكس في إرادته ووجدانه هموم الأمة وقضاياها .
وكما أن الأردن جزء أصيل من أمة العرب فهو جزء أصيل من امة الإسلام وتراثها الروحي الإيماني, والتيار الوطني يؤمن بان الانتماء لأمة العرب, والانتماء لأمة الإسلام تراث ومرجعية جامعة وليس مرجعية يحتكرها حزب دون أخر.
فالأمة العربية, جذرنا القومي, والإسلام ديننا والمرجعية الفكرية والثقافة للدولة والشعب الأردني, وهو أهم مصدر لثقافة وقيم المجتمع ومنهل الإيمان والعدالة والتسامح في مجتمعنا الأردني لقد خص ديننا الإسلامي, المسيحيين بأنهم أقرب الناس للذين أمنوا, وقد نشأ شعبنا على احترام وتقدير الدور العريق لإخواننا المسيحيين الذين يعيشون معنا مواطنين في هذه الأرض . فبلادنا مهد المسيحية. والمسيحيون أيضا أصحاب مقدسات مغتصبة في فلسطين ولهم الحق في احترام حرية عبادتهم وحقوقهم كما نصت مبادئ الإسلام السمحة ودستورنا الجامع .
فالانتماء الإسلامي, مرجعية حضارية وثقافية وروحية للمجتمع منهجها الوسطية والاعتدال, تنهل منها جميع الأحزاب, ولا يختص بها حزب دون الأخر.
وهدفنا في العمل الحزبي والسياسي الانطلاق من قاعدة وطننا الذي هو جزء أصيل من امتنا, وليس إقامة حزب شامل للأمة, يتبنى رؤية جزئية محدودة حول قطرنا الأردني, وان ننطلق كحزب وطني سياسي إجتماعي إصلاحي, يدرك أن حيوية الحزب ونجاحه في هذا العصر, مرتبط باستجابته الواعية لتطلعات وحاجات الناس في معيشتهم, وقضاياهم, وتعزيز دورهم في المشاركة في شؤون بلادهم, وتوفير الأمن الاجتماعي لهم باعتبار ذلك مؤشر على صحة وسلامة المسيرة الوطنية .
أي أننا ننطلق من واقعنا الذي نعيشه في جزء من ارض الأمة غير منعزلين عنها, أو عن قضاياها أو طموحاتها, ونحرص على أن نغرس في مضامين وطننا السياسية والفكرية معاني الأمة وتراثها وتطلعاتها .
كما نحرص دائما على تبني أليات جديدة من الفكر والعمل والاجتهاد قي العمل الحزبي تضع وطننا الأردني دائما على طريق الأمة العربية والإسلامية, وتعزيز المصالح المشتركة مع الاقطار العربية والإسلامية الأخرى, دون السماح بإلحاق أي ساحة قطرية بأخرى كما كان يحدث في السياق من خلال تجنيد قوى بداخل قطر ما لصالح نظام قطري أخر .
فطريق التكامل الوحدوي, يتم بنائه بالعمل العربي والتضامني المشترك, وبالرؤى السياسية والتطلعات التي تؤسس لقواسم مشتركة ديمقراطية ومصالح مشتركة تقوي الروابط بين جميع الأقطار العربية والإسلامية وتضع جميع الاقطار العربية على طريق صيغة إقليمية تتكامل فيها المصالح الاقتصادية والروابط الأخوية والإنسانية كمدخل لصيغة اتحادية عربية في المستقبل.
ويعزز ذلك ترسيخ المشترك بين الأقطار العربية بدأ من الثقافة العربية المشتركة بأبعادها التراثية والانفتاح المستمر على حضارة ومعارف وعلوم العصر. فثقافة الامة الجامعة لخصائصها وتراثها ولغتها ومعارفها والمنفتحة على حقائق الحياة المعاصرة, واسباب التقدم فيها والمعززة بالايمان وقيم الاجتهاد والعلم والعمل, تشكل اهم العوامل في بناء شخصية الامة ووعيها ونهضتها.
ولا يكتمل البعد السياسي القائم على الديمقراطية وصون الحريات والعدالة واحترام المواطنة, واقامة دولة المؤسسات والقانون, والولاء لنظام البلاد, الا بتعزيز البعد الاجتماعي وهو الشق الاخر, في المعادلة الوطنية, وخصوصاً تعزيز المشاركة الشعبية الواعية, وتنظيم المجتمع المدني, والارتقاء بالوعي الوطني العام وتوظيف المعارضة الوطنية الداعمة للحقوق والمطالب الوطنية المشروعة, كجزء اصيل من الموالاة للوطن والنظام السياسي, وتكامل جهود الدولة والمجتمع في تحقيق النماء الاقتصادي, والتنمية المستدامة الشاملة في البلاد.
مع تعزيز ثقافة الحوار والنهوض بدور وحقوق المرأة السياسية والقانونية وتدعيم دور الاسرة وايجاد اطار مؤسسي للارتقاء بدور الشباب رجالاً ونساء باعتبارهم اوسع الشرائح في مجتمعنا.
ولا بد من التأكيد على اهمية الامن الوطني باعتباره من اهم ركائز النماء والاستقرار الذي يضمن المناخ الملائم لتحقيق مجمل الاهداف الوطنية, ويضمن سلامة المجتمع والوطن.
وينطلق التيار الوطني, من ترسيخ الاجماع الوطني, لتأكيد الثوابت الوطنية كحالة دائمة واساسية في الدولة الاردنية, وواسطة العقد في ذلك قيادتنا الهاشمية ونظامنا الملكي الاردني الهاشمي, صاحب الفضل في تأسيس وتطوير دولتنا الحديثة وتعزيز نهضتنا الوطنية, فالقياة الهاشمية تمثل المظلة الجامعة للقيم والثوابت القومية والاسلامية في وطننا وللمعاني الوطنية التي نشأ الاردن الحديث في اطارها.
فقيادتنا الهاشمية محرك تطلعات شعبنا في الحرية والديمقراطية والتقدم السياسي والاجتماعي, وموضع الاجماع من ابناء شعبنا, ووارثة معاني الثورة العربية الكبرى, ودورها القومي في النهضة العربية المعاصرة, وهي القيادة العربية القومية ذات الدور المميز في الدفاع عن قضايا امتنا العربية الراهنة, وفي مقدمتها قضية فلسطين قضية العرب الاولى.
فقيادتنا الهاشمية شكلت قوة الدفع الوطني للتقدم والاصلاح والنهضة والبناء الداخلي في بلدنا, والارادة السياسية المتنورة التي وظفت التواصل والانفتاح على العالم الخارجي لخدمة مصالح بلدنا والدفاع عن حقوق أمتنا وقضاياها في الساحة الدولية.