الأوراق النقاشية الملكية من وجهة نظر الأحزاب!

د. صالح ارشيدات
حديث جلالة الملك مع طلاب كلية الدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، سلط الضوء من جديد على الاوراق النقاشية، وبدأ مجلس الاعيان الموقر في دراسة مضامين الأوراق من خلال لجان خاصة ،عبرت عن مضمونها العام في اول لقاء لها، واكدت ان الأوراق النقاشية تنطلق من مبادئ الدولة المدنية التي تقوم على العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والمواطنة الفاعلة واحترام التعددية وتعزيز الانتماء الوطني وثقافة الحوار.

وتناولت الأوراق مبادئ وممارسات أساسية للنهوض بالمجتمع والتحول الديموقراطي ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية ودور المواطن الفاعل في المشاركة السياسية والفكرية والعمل العام من اجل الإصلاح الشامل.

وتعتبر الأحزاب الأردنية بكل اطيافها، ان الأوراق النقاشية الملكية مهمة جداً لأنها تصدر عن راس الدولة، ورئيس السلطات الثلاث، وتصدر في اوقات وظروف عصيبة غير عادية، يمر بها الوطن والامة، ويشكل ذلك تحدياً للامة والوطن والاقليم.

فهي دعوة للنقاش والحوار، حول مبادرة ملكية للإصلاح الشامل، تتطلب منا جميعا المشاركة في الحوار حولها، لأننا كلنا شركاء في الوطن والمسؤولية والمكاسب والتضحيات، ومعنيون بحماية الاردن والمجتمع الاردني من الانزلاق نحو العنف، الذي يسود المنطقة، والمحافظة على الامن والاستقرار الذي ينعم به بلدنا.

والاوراق تشكل، في مضمونها ورؤيتها، وهي لا زالت للنقاش، تعبر عن رؤية وفلسفة الحكم في شكل تطور النظام السياسي للدولة على المدى البعيد، وهي تؤكد على النهج الديموقراطي للنظام وشروط عملية التحول الديموقراطي للدولة، وتشكل اطاراً لفكر جلالة الملك العصري التقدمي « لأردن المستقبل» في مضمون الدولة المدنية التعددية الديمقراطية تحت سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة الفاعلة، التي يسعى الاردن الى تحقيقها. وهي المرة الاولى في العالم، التي يتصدى بها رئيس الدولة الى طرح هذه الاوراق والافكار للنقاش العام، وهي بشموليتها وتكاملها وتفاصيلها الدقيقة يمكن ان تشكل إذا اقرت وحولت الى اليات عمل وطني، تشكل خارطة طريق لبناء مسيرة الاردن الدستورية الديمقراطية.

لقد حقق الاردن بقيادته الهاشمية مسيرة طويلة من الانجازات الهامة في مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالرغم من الصعوبات الاقتصادية المزمنة، كان هدفها دائما، تنمية الانسان الاردني، وأصبح الاردن مثالاً عربياُ للتقدم والازدهار في معظم القطاعات الانسانية والخدمية، التعليم، الصحة، المرأة، الشباب، الامن، حقوق الانسان.

ويقود الملك عبد الله الثاني أبن الحسين الاردن الى فضاءات اقليمية ودولية جديدة يلعب فيها دورا ًعربياً وانسانياً واقليمياً، وأصبح الاردن دولة نموذجية في الوسطية والانفتاح الايجابي، وتعايش الاديان، وجسراً بين العرب والغرب.

ولكن مشاريع الاصلاح السياسي والاقتصادي، لا تتوقف ابدا، وهي بحاجة للتقييم المرحلي الإيجابي، ولتوافق كل القوى السياسية والحكومة, ومجلس الامة، على مزيد من التشريعات اللازمة والممارسات غير المكتوبة والارادة السياسية العليا للدولة، وهذا ما يمكن لمضمون الأوراق النقاشية الملكية ان تحققه بمشاركة واسعة، اذا فعلت الى اليات عمل عام،.

لقد ناقشت معظم الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الواسعة، وعلى مدى فترة اصدار الاوراق النقاشية الملكية، مضمون ودلالات هذه الاوراق بكل اهتمام وأصدرت بيانات عدة تشيد بفكر جلالة الملك المتقدم علينا جميعاً، وبرؤيته لمفهوم الدولة المدنية الحديثة المنسجمة مع روح الدستور الأردني.

وطالبت الاحزاب الحكومات المتعاقبة لتحويلها الى آليات عمل وطنية لأنها تشكل اطارا لبرنامج عمل لأي حكومة سياسية عاملة، شرط ان تبدأ بالتنسيق مع المكونات الأخرى، في تطبيقه تدريجيا ، وهم مكونات العمل السياسي الشركاء في المشروع النهضوي، الملكية الهاشمية، ومجلس الامة، والحكومة، والاحزاب، والمواطن، وضمن آلية تنسيقية مشروعة محددة، مثل لجنة ملكية او مؤتمر وطني الى السير في استيعابها وتشريعها، والاعلان رسميا عن تطبيق خطة تنفيذها، للوصول الى الهدف الذي اراده جلالة الملك..

ويعتبر حزب التيار الوطني، وفيما يخص دور ومشاركة الأحزاب في تفعيل الأوراق النقاشية ، ان البيئة الحزبية اللازمة للمشاركة في تنفيذ مفهوم انتاج الدولة المدنية الحديثة ،والتي تسعى الأوراق النقاشية الى تحقيقها، لم تنضج بعد في عقل الحكومات وفي عقل المواطن بشكل قوي، وان مسؤولية الحكومة، وهي لاعب اساسي في العملية الاصلاحية والتنمية السياسية، ترجمة وتنفيذ الرؤية الملكية في الاصلاح السياسي والاجتماعي، من خلال خلق البيئة الحاضنة للعمل الحزبي، وهي بيئة تبدأ بالاعتراف بالأحزاب جزء من النظام البرلماني الأردني وتعميم هذا الاعتراف التشريعي، في المناهج المدرسية والجامعية أولا، ومؤسسات الاعلام ثانيا ،ومؤسسات الشباب والثقافة ثالثا، ومؤسسات الحكم والسلطات السيادية رابعا.

وعلي الحكومة المساهمة في ازالة المعوقات التاريخية المتراكمة امام نمو الأحزاب، مثل العزوف الشعبي المزمن، بسبب طبيعة البنية الاجتماعية الجهوية السائدة ،وحقبة احزاب الخمسينيات ، وعليها محاولة تجسير مفاهيم وطنية متنورة، ان الحزبية لا تتعارض مع العشائرية الوطنية القائمة على حب الوطن واحترام الدستور وسيادة القانون،

فالحكومة ملزمه ادبيا بترجمة وتفعيل رؤية الملك المنسجمة مع الدستور، حول أدوات الوصول للحكومة البرلمانية، التي تقوم على مؤسسات الأحزاب في البرلمان وخارجه، ووصول الاحزاب الى المشاركة فيها فعليا، وعليها التحضير القانوني والدستوري للاعتراف بالأحزاب كجزء من النظام السياسي البرلماني الاردني، و ملاقاة المطالب الحزبية والسياسية بمزيد من المرونة والعقلانية الابوية، لان الأحزاب ليست منافسا لها، فهي صاحبه الولاية العامة، وخصوصا فيما يتعلق بتطوير قانون الاحزاب السياسية وقانون الانتخاب المثيران للجدل، فلا ديموقراطية بدون احزاب.

وعلى الحكومة، السير بالتوازي في اصلاح ورفع كفاءة القطاع العام في المؤسسات العامة كلها، واعادة الثقة له ومعه، بعد ان تراجعت الخدمات الاساسية التي تميز الاردن بها على مر السنين مثل التعليم والشؤون الاجتماعية والوعظ والارشاد، على اسس من المهنية والحياد بعيدا ًعن تسيس العمل العام، وان يصبح الجهاز الحكومي مرجعاً موثوقاً للمعرفة والمهنية، ووضع معايير للعمل الحكومي المتميز، وتبنى نهج الشفافية والحاكمية الرشيدة والشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص وتطوير منظومة النزاهة الوطنية.

وتعتقد الأحزاب، ان رؤية جلالة الملك لمستقبل تطوير العمل السياسي في الاردن، يمكن ان تتمثل من خلال تبني شعار محدد ومدعوم من المظلة الملكية الدستورية يتمثل في العنوان التالي:

« الديمقراطية الاردنية المتجددة ضمن الدستور الاردني»

وهو مشروع الملك النهضوي في الاقليم المضطرب، ويمكن إنجازه بالتدريج، من خلال:

ترسيخ نهج تشكيل الحكومات البرلمانية على مرحلتين الاولى من خلال الكتل البرلمانية والثانية من خلال تآلف الكتل الحزبية.

ويتطلب ذلك تنفيذ الحكومة بالتعاون مع الشركاء المكونات الخمسة في الأوراق النقاشية ، منظومة من الإجراءات والسياسات والتشريعات والمتطلبات التالية:

• الإفصاح الرسمي عن آلية السير في تحقيق مضامين الأوراق النقاشية من خلال (لجنة ملكية او مؤتمر وطني)

• العمل على تشريع قوانين أدوات تعظيم المشاركة الشعبية والسياسية في صنع القرار، للحد من استمرار العزوف الشعبي عن الانضمام للأحزاب والعمل العام، وتشجيع مؤسسات الاحزاب لتطوير ادائها الوطني والبنيوي الداخلي، كمؤسسات وطنية وجزء من النظام السياسي، وتحقيق ديموقراطية النظام السياسي في الانفتاح العام واجراء انتخابات نيابية سهلة وعصرية، لإعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات.

• العمل على تحقيق توافق وطني سياسي وشعبي وبرلماني على تشريعات وقوانين التنمية السياسية، وخصوصا قانون الانتخاب، والعمل على تطويره بما يضمن وجود قائمة حزبية ذات شروط لتنمية رؤية وطنية واسعة، وتطوير وإنضاج قوانين، الحكم المحلي، وقانون الاحزاب السياسية، بما يضمن تقوية دور الاحزاب تشريعيا وماليا واعلاميا وبما يؤكد حماية التعددية.

• تفعيل ممارسة سلوكيات وقيم ديموقراطية متعارف عليها، في المدارس والجامعات والاعلام ومؤسسات الدولة المختلفة مثل: احترام الرأي الاخر، تعزيز مفهوم المواطنة المتكافئة– تعميم روح التسامح تعزيز آلية الحوار البناء،–الحفاظ على مفهوم الامن المجتمعي لتحقيق الديمقراطية والرفاه.

ترسيخ الثوابت العالمية للتحول الديموقراطي التالية:

تطبيق وتفعيل سيادة القانون وهو عماد الدولة المدنية. تعزيز مبدأ ممارسة التعددية السياسية والثقافية في كل مؤسسات الدولة،

الفصل بين السلطات كما ورد في الدستور –

تقوية مشاركة المجتمع المدني في الحياة العامة والسياسية. توازن بين احترام ارادة الاغلبية وحماية حقوق الاقلية.

تطوير احزاب سياسية برامجية وقيادات شبابية ونسائية مؤهلة ومسؤولة.

تطوير الاعراف السياسية، وتجذير الثقافة الديمقراطية لدى المؤسسات الرسمية والحزبية ضمن برامج إعلامية رسمية وشعبية وبالتعاون المؤسسات التعليمية والدينية.

– ويعتقد حزب التيار الوطني ان اهمية دور الاحزاب في المسيرة البرلمانية والتحول الديمقراطي، تكمن في ان الأحزاب، بوتقة انصهار وطني، ومؤسسات وطنية تعمل في نطاق الدستور، تعبر عن فئات شعبية ومصالحها وهمومها وطموحاتها، قادرة على تأطير قضايا الناس العامة ونقلها الى البرلمان لخلق السياسات والقوانين حولها، وقادرة على خلق راي عام واعي وقاعدة اجتماعية منظمة.

بالرغم من ان الاحزاب الاردنية لا زالت غير فاعلة بالتأثير على الساحة الاجتماعية السياسية الشعبية والرسمية، رغم ارتفاع عددها الى 46 حزبا، فالمطلوب لتحفيزها ولتفعيلها، الاعتراف بها تشريعيا جزء من النظام البرلماني، وتفعيل النهج الديمقراطي داخل الاحزاب نفسها، ودفع قيادات شبابية ونسائية الى الصف الاول.

– وتؤكد الاحزاب السياسية، على اهمية دور المواطن الفاعل، وهو الشريك الاوسع في مضمون الأوراق النقاشية، وخصوصا فئة الشباب التي تشكل 60% من الشعب، وهي الذخيرة البشرية الحية لديمومة شباب الدولة، والأحزاب، والإنتاج الوطني، وإنتاج النخب الوطنية القادرة على التغير، والتي أصبحت اليوم، بعد تطور الاتصالات وثورة المعلومات، عاملا أساسيا في تشكيل ثقافة الراي العام ، أصبحت هذه الفئة تعيش مرحلة تحول عميقة وتمارس حقها بالتعبير عما يتعلق بشؤون حياتها، ولم تعد فئة مستمعة سلبيا، لا بل جزء من المشهد العام بجوانبه الاقتصادية والسياسية والثقافية.

والتفعيل يأتي من خلال تعزيز مفهوم المواطنة المتكافئة الفعالة على ارض الواقع، وحق المشاركة الشعبية، وواجباتها ومسؤولياتها في مخرجات الحياة السياسية، ضمن ممارسات ديمقراطية سليمة وسلميه، تحت سيادة القانون والعدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص (أساس الدولة المدنية)، وهي محاور اساسيه لخلق المواطنة الفاعلة، وخلق اجواء تسامح، وحوار بناء وتعددية سياسية وثقافية تحترم الاخر.

وقد اكدت الورقة النقاشية السادسة على أهمية تعزيز سيادة القانون في بناء الدولة المدنية وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الاطار الفاعل للإدارة العامة والباني لمجتمع امن وعادل وضمان حقوق الأقلية، ومتطلب لضمان حقوق الأغلبية، والاداة المثلى لتعزيز العدالة الاجتماعية ،وهو أساس الإدارة الحصيفة التي تعتمد العدالة والمساواة ، وتكافؤ الفرص، أساسا في نهجها وفي تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، التي تتطلب وجود آليات رقابة فعالة ،وأجهزة حكومية للرقابة، ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ، ومؤسسة البرلمان ودوره الرقابي الدستوري والمحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب، كما يعتبر تطوير الجهاز القضائي أساسيا لتعزيز سيادة القانون، التي هي عماد الدولة المدنية.

وتعتقد الاحزاب السياسية، ان مهمه بناء الثقافة الحزبية والديموقراطية في اجواء المجتمع حاليا، بحاجه لدعم واسع من مؤسسات الدولة، وخصوصا الاعلامية والتربوية والتعليمية، بالإضافة الى جهد الاحزاب الوطنية نفسها.

وتؤكد الاحزاب السياسية، فيما يتعلق بدور الملكية الهاشمية في العملية الإصلاحية المبادرة، اهميه هذا الدور الرائد لجلالة الملك ومؤسسة العرش ،المسلحين بالدستور والتوافق الوطني الشعبي حول شرعيتها السياسية والدينية، دورها في الحفاظ على الاردن، وعلى أمنه الوطني وازدهاره، والحفاظ على تراثنا الديني ونسيجنا الوطني، وحماية الدستور، ويؤكد استعداد الاحزاب الدائم للوقوف خلف القيادة الهاشمية الملهمة، وقد ايدت الاحزاب جلالة الملك في اجراء التعديلات الدستورية ووثيقة الحوار الوطني كما ايده في الحرب على الارهاب الدائرة حاليا ومحاربة التطرف.

– تؤكد الاحزاب، فيما يتعلق بمسؤوليات مجلس الامة وأعضائه:

ان مجلس الامة هو ممثل للشعب الاردني، وحاضنة للحوار الوطني الديمقراطي. وله دور اساسي في بناء ركن المؤسسة الديموقراطية، والرقابة على الحكومة، وصياغة القوانين وخصوصا تلك المتعلقة بالتنمية السياسية، وعليه تطوير وإنضاج قانون الانتخاب الحالي بما يضن مشاركة سياسية وفكرية اوسع، وتمثيل اشمل لكل الأردنيين،

وحزب التيار الوطني يوصي بتطوير القائمة الوطنية وجعلها قائمة حزبية لتمكين الاحزاب من الوصول تدريجيا الى حالة تشكيل الحكومة البرلمانية من خلال كتل برلمانية حزبية.

وتؤكد الاحزاب ان جلالة الملك يعترف بأهمية دور الاحزاب في عملية التحول الديمقراطي، ويعترف بدورها الاساس في النظام السياسي الاردني كما ورد في الدستور، وكونها بوتقة انصهار وطني، ورافعة عمل سياسية، وتشكل مع منظمات المجتمع المدني المنتخبين، ظهيرا اساسيا للبرلمان ممثل الشعب، وركنا من اركان المؤسسية الديموقراطية.

فالأحزاب السياسية مؤسسات وطنية قياداتها منتخبة تعمل تحت مظلة الدستور، واداة اساسية فعاله لعملية تحقيق التحول الديمقراطي والدولة المدنية الحديثة والحكومات البرلمانية.

شاهد أيضاً

حزب التيار الوطني يعقد مجلسه المركزي الثاني

عقد المجلس المركزي لحزب التيار الوطني اجتماعة الثاني  ظهر السبت الموافق ٢/٩/٢٠٢٣ في فندق سان …